دفعت المستجدات الأخيرة على الساحة التجارية، وفي مقدمتها سياسة الرسوم الجمركية الجديدة التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كبرى شركات التكنولوجيا العالمية إلى مراجعة تموضعها الصناعي.
وفي خطوة تعكس التحول المتزايد نحو تقليل الاعتماد على الصين، شرعت مؤسسات مثل آبل (Apple) وإنفيديا (NVIDIA) في تسريع خططها لنقل جزء كبير من عمليات الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة، ما يشير إلى بداية مرحلة جديدة من فك الارتباط الصناعي بين أكبر اقتصادين في العالم.
وجاء هذا التحول بعد إعلان البيت الأبيض عن فرض رسوم جمركية بنسبة 125% على المنتجات الصينية، في واحدة من أكثر الخطوات تصعيدا منذ بداية الحرب التجارية.
ورغم أن بعض المنتجات التكنولوجية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب قد أعفيت مؤقتا من هذه الزيادة، فإن الرسالة كانت واضحة: واشنطن لم تعد تعتبر الصين شريكا موثوقا لإنتاج التقنيات الحساسة.
بالموازة مع ذلك، صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن "الولايات المتحدة لا يمكنها الاستمرار في الاعتماد على الصين لإنتاج تقنيات حيوية مثل أشباه الموصلات والرقائق والهواتف المحمولة."
وأضافت أن شركات مثل Apple وNVIDIA "تسرع وتيرة انسحابها من الصين"، وتعد العدة للعودة إلى التصنيع داخل الأراضي الأمريكية.
وفي هذا السياق، أعلنت Apple عن استثمار ضخم قدره 500 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة داخل الولايات المتحدة، يتضمن بناء منشآت تصنيع متقدمة في مدينة هيوستن لتلبية متطلبات سوق الذكاء الاصطناعي وخوادم البيانات. في المقابل، لا تزال مصانع إنتاج هواتف "آيفون" في الصين خارج خطة النقل المباشرة، ما يشير إلى تدرج في الاستراتيجية لا قطيعة فورية.
من جانبه، لم يخف الرئيس ترامب رغبته في توسيع الضغوط على القطاع التكنولوجي، حيث هدد شركة TSMC التايوانية -أكبر منتج للرقائق في العالم- بفرض ضريبة 100% إذا لم تسرع من وتيرة بناء مصانعها داخل الولايات المتحدة.
هذه الإجراءات تعكس نهجا جديدا في السياسة الاقتصادية الأمريكية يحاول تقليل التبعية للصين، لا سيما في قطاعات تعد حجر الأساس للاقتصاد الرقمي الحديث، من الذكاء الاصطناعي إلى السيارات الكهربائية.
في المقابل، تحذر مؤسسات اقتصادية من أن هذا "فك الارتباط التكنولوجي" قد تكون له تداعيات عميقة على سلسلة التوريد العالمية، ويفتح الباب أمام موجة من التوترات التجارية الممتدة، قد تعيد تشكيل خريطة التجارة الدولية لعقود قادمة.