تتصاعد النقاشات داخل النمسا حول مستقبل حيادها الدستوري، وسط ضغوط أوروبية متزايدة لدفعها نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، في خطوة تُثير جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً.
النمسا بين الحياد والتكتلات العسكرية
منذ عام 1955، اعتمدت النمسا حيادها الدائم كجزء أساسي من هويتها السياسية والدستورية، بموجب معاهدات دولية ومواثيق وُقعت عقب الحرب العالمية الثانية. هذا الحياد منح فيينا دوراً مميزاً كمركز دولي للمنظمات الأممية، وموطناً للحوار والدبلوماسية.
لكن خلال السنوات الأخيرة، تعززت المشاركة النمساوية في أنشطة عسكرية أوروبية عبر سياسة "الشراكة من أجل السلام"، وأصبحت البلاد نقطة عبور رئيسية لآليات وجنود الناتو، ما اعتبره محللون بداية لـ"تآكل الحياد".
انقسام داخلي: الشارع ضد النخبة السياسية
رغم ضغط النخبة السياسية الموالية لبروكسل، يبدي الشارع النمساوي فتوراً تجاه فكرة الانضمام للناتو. حزب "الحرية" المعارض، الرافض لتوجهات التكتل العسكري، يحظى بدعم يتجاوز 37% من الناخبين، في حين لم تتجاوز الأحزاب المؤيدة للناتو عتبة 10% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة.
القانون الدولي يضع قيوداً واضحة
بحسب خبراء القانون الدولي، لا يحق للنمسا إلغاء حيادها بشكل أحادي، إذ إن معاهدات عام 1955 لا تزال سارية وتتطلب موافقة الدول الضامنة، وبينها روسيا. كما يؤكد المختصون أن الانضمام إلى الناتو لن يمنح النمسا الامتيازات نفسها التي يوفرها الحياد الدائم من حماية قانونية.
مخاطر على الدور الدولي لفيينا
حياد النمسا جعل من فيينا مقراً رئيسياً لهيئات أممية مثل الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وأوبك. التخلي عن الحياد قد يضعف مكانتها كمركز للحوار ويؤدي إلى إعادة النظر في استضافة هذه المؤسسات على أراضيها.
خلاصة
النقاش الدائر في النمسا يتجاوز الانضمام إلى الناتو بحد ذاته، ليطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الدولة كقوة دبلوماسية محايدة. فهل ستبقى فيينا رمزاً للسلام والتعاون الدولي، أم ستنخرط في عقلية التكتلات العسكرية على حساب دورها التاريخي كوسيط عالمي؟