عادت الحركة الشبابية إلى الشارع المغربي, رافعة مطلبها بالإفراج عن جميع الشباب الذين تم توقيفهم خلال الاحتجاجات منذ نهاية سبتمبر الماضي والدعوة إلى الإصلاح وربط المحاسبة بالمسؤولية, وذلك بعد قرار تثبيت خيار التعبئة الميدانية المنظمة ورفع منسوب الضغط المدني لتحقيق المطالب الاجتماعية, في وقت تتوالى فضائح وزارات المخزن تباعا.
وخرج المحتجون, مساء أمس السبت, في كبرى مدن المملكة المغربية, بدءا من الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش و وجدة وأكادير وتطوان ومكناس وصولا إلى آسفي والجديدة وبني ملال, مجددين تأكيد مطالبهم المتمثلة في الإفراج الفوري عن الموقوفين خلال الاحتجاجات السلمية وتحسين خدمات قطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد والمطالبة باستقالة حكومة المخزن.
ووفقا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان, فإن نحو 600 شخص (بينهم قاصرون) جرى توقيفهم خلال الأسابيع القليلة الماضية, وينتظرون محاكمتهم.
وفي وقت تعالت في العاصمة الرباط هتافات "أيها المعتقلون, أبقوا أقوياء, سنواصل النضال", أعرب مئات المحتجين في ساحة الماريشال بقلب مدينة الدار البيضاء, عن غضبهم من المسؤولين المنتخبين, مطالبين بإقالة رئيس وزراء حكومة المخزن, عزيز أخنوش, الذي وصفوه ب"الفاسد", إلى جانب أعضاء حكومته.
ورفضا منهم السماح لموجة الاحتفالات القادمة باستضافة كأس الأمم الأ فريقية, شهر ديسمبر المقبل, بأن تطغى على مطالبهم, ردد المحتجون في سور المعكازين بطنجة, هتافات "الصحة أولا, ما بغيناش كأس العالم!", داعين إلى مقاطعة مباريات كرة القدم في الملاعب الجديدة للبلاد. وتعليقا على مشاريع تشييد الملاعب التي ستحتضن مباريات كأس العالم 2030, هتف المحتجون في مختلف المدن قائلين "الملاعب هنا, ولكن أين المستشفيات؟".
وتزامنا مع الاحتجاجات, يعيش قطاع المالية فضيحة كبيرة, حيث اتهم رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب وزيرة الاقتصاد والمالية في حكومة المخزن ب"قلة الاحترام, قلة الذوق السياسي والجهل المركب" على خلفية حديثها بشكل مفصل عن التوجهات العامة لمشروع قانون مالية 2026 في إحدى القنوات الأجنبية, قبل المصادقة عليه في المجلس الوزاري.
وفي منشور على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي, قال ذات البرلماني بأن الوزيرة "أطلقت العنان لتصريحاتها دون تقدير لمآلاتها, وهي تبدو غائبة عن نبض الشارع الوطني والاحتجاجات التي تعرفها البلاد", قبل أن يختم بالقول: "عجل
لله برحيل هذه الحكومة الكارثية".
وتتعرض الوزيرة -المنتمية لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود حكومة المخزن- إلى انتقادات متكررة بسبب عزوفها عن التفاعل مع الإعلام المغربي أو التعليق على الملفات الساخنة, منها الاحتجاجات الشبابية الواسعة التي تشهدها المدن مغربية, حيث يرى مراقبون أن صمت الوزيرة والحكومة إزاء الجدل الحالي "يعكس برودا في التعاطي مع الرأي العام".
كما تتواصل الفضائح في قطاع الصحة حيث أثار قرار إغلاق مصحة "أكدي طال" بحي أكدال بالرباط, الجدل وأدى إلى طرح الكثير من التساؤلات حول الجهة التي غضت الطرف عن جملة الخروقات التي ارتكبتها المصحة, وتوقيت القرار الذي تزامن مع شبهات كثيرة تحوم حول الكيفية التي تحولت بها الشركة إلى "غول صحي" يسيطر على المشهد في ظرف قياسي, بعد افتتاح عشرات المصحات في مدن مختلفة.
وأكد رئيس فريق العدالة والتنمية السابق بمجلس النواب المغربي, نبيل شيخي, أن لأمر لا يتعلق بقرار غلق إداري عادي بل ب"فضيحة" تعري واقع منظومة الرقابة والتتبع, مستغربا استقبال المصحة المرضى وتقديم الخدمات منذ يونيو الماضي, دون التوفر على شهادة المطابقة, متسائلا: "أين كانت أعين السلطة المحلية واللجنة المختلطة طيلة ثلاثة أشهر؟ كيف تغفو أجهزة الرقابة التي لا تغفل عن أدق التفاصيل حين يتعلق الأمر بمواطن بسيط, عن صرح طبي يعمل في قلب العاصمة وعلى مرأى الجميع؟".
ولم تمنع احتجاجات الحركة الشبابية ودعوات محاربة الفساد رئيس حكومة المخزن من إطلاق يد وزيره في الصحة أمين التهراوي, لإبرام صفقات تفاوضية خارج قانون المنافسة مع شركات خاصة. ويطرح اللجوء إلى الصفقات التفاوضية تساؤلات حول خلفيات القرار الذي يرتبط غالبا بقانون الصفقات العمومية التي تتطلب معايير عالية من الشفافية والتنافسية, في حين سيكون بإمكان الوزارة الآن اللجوء إلى شركات بعينها لإبرام هذه الصفقات التي ستكلف المليارات.
وفي سياق الاحتجاجات, أعلنت النقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل, عن تنظيم وقفة وطنية بمدينة مراكش, في 5 نوف مبر المقبل, احتجاجا على ما تصفه ب"فساد الإدارة الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية" بجهة مراكش-آسفي, و"الاختلالات البنيوية والخروقات الخطيرة" التي تعيشها المنظومة الصحية بالجهة, موضحة في بيان لها أن اختيار التصعيد جاء بعد تراكم مؤشرات "سوء التدبير والاختلال في الحكامة".
ويشهد قطاع الفلاحة, هو الآخر, جدلا عميقا, بعد أن عاد ملف زيت الزيتون المغشوش ليطفو مجددا على سطح النقاش العمومي والبرلماني, في أعقاب توجيه نائب عن فريق الأصالة والمعاصرة, سؤالا كتابيا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في حكومة المخزن, طالب فيه بالكشف عن التدابير المتخذة لضمان جودة وسلامة زيت الزيتون المعروضة في الأسواق الوطنية, على خلفية تنامي المخاوف من انتشار زيوت مغشوشة تباع بأثمنة "غير منطقية". وفي ظل ضعف المراقبة واتساع رقعة الغش التجاري, كشف مجلس المنافسة أن ما بين 80 و 90 بالمائة من مبيعات زيت الزيتون في المغرب تهم الزيوت السائبة, مقابل نسبة محدودة من الزيوت المعبأة, الأمر الذي يرفع من احتمالات الغش رغم أن الأسعار بين الفئتين لا تختلف كثيرا.







