الصحراء الغربية: ثروات ضخمة وصراع على النفوذ يغير مواقف القوى الكبرى ويكشف ازدواجية المعايير الفرنسية
تعد الصحراء الغربية أغنى إقليم في شمال غرب إفريقيا بثرواته وموارده، ومساحته، وموقعه، خضع للاستعمار الغربي المتوالي لعدة قرون، وآخرها الاستعمار الاسباني الذي استمر لمدة 140 سنة (1883-1973)، ثم انسحبت إسبانيا وتخلت عن مسؤوليتها القانونية، وهي آخر مستعمرة في إفريقيا وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقرار محكمة العدل الدولية المرفق، إقليم جغرافي له مكانته الاستراتيجية، تبلغ مساحته 266 ألف كلم2، أكبر من بعض الدول في أوروبا وآسيا، 70% منها خاضعة للاحتلال المغربي منذ سنة 1975، حيث تبلغ مساحة المملكة 446 ألف كلم2، ويقدر عدد سكان الصحراء الغربية بحوالي 800 ألف نسمة، 50% منهم من المهجرين النازحين في دول متعددة ومنها موريتانيا والجزائر، وإسبانيا..، وهي جمهورية معترف بها في الاتحاد الإفريقي، وتحتوي على ثروات كبيرة، ومن أهمها الفوسفات بحجم احتياطيات يتجاوز 10مليار طن في مساحة تزيد على 800 كلم2 ، لا تبعد سوى 100 كلم على ميناء العيون، وتقدر قيمتها بأكثر من 2550 مليار أورو (أسعار الخام الصحراوي لسنة2023)، تستنزف منها المملكة سنويا 4 مليون طن، طيلة أكثر من 45 سنة، أي حوالي 90 مليار أورو، وتصدر سنويا حوالي 20 مليون قنطار للهند والمكسيك واليابان ونيوزيلندا سنة 2023..، كما يعتبر إقليم الصحراء الغربية بسواحله الأطلسية التي تزيد على 600 كلم، أهم منطقة للثروات البحرية، ويعتبر ميناء العيون أهم ميناء لصادرات الأسماك في العالم، حيت يُصدر سنويا 10مليون قنطار من أنواع الأسماك للاتحاد الأوروبي وعدد من الدول بأقل من ربع قيمتها التصنيعية، إلى جانب الثروات الزراعية المتاحة في إقليم الساقية الحمراء، ووادي الذهب، التي تصدر المنتجات الزراعية على مدار السنة، كما يعد الإقليم مصدر مهم للاحتياطيات الغازية البحرية وقد تم منح رخص للتنقيب لعدد من الشركات ومنها شركة توتال الفرنسية، كما تشير الدراسات إلى وجود احتياطيات اقتصادية ضخمة من المعادن النادرة كالذهب والأورانيوم والحديد والنحاس…غير معلن عنها، وتعد الصحراء الغربية أهم مصدر للطاقات المتجددة من خلال الاستثمارات الأوروبية المتنافسة وخاصة الألمانية والإيطالية في مشاريع طاقة مزارع الرياح للتحلية المستدامة لمياه البحر ، والطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر، من أجل إنتاج 900 ميجاوات لتأمين احتياجات الصحراء الغربية( 250 ميجاوات)، والباقي لتأمين الاحتياجات المغربية، كما يعتبر إقليم الصحراء الغربية أهم منطقة عبور بحري، ومنفذ بري لدول غرب إفريقيا، وإمكانياته السياحية الرائعة.
ولهذا تزايد الصراع الدولي، والتنافس الإقليمي، للهيمنة على هذه الثروات، على حساب شعب مشرد فقير يعاني من نهب ممنهج لثرواته، واضطهاد تمييزي عرقي في بلاده، بعد حملة لتوطين حوالي 500 ألف مغربي منهم 200 ألف عسكري منذ سنة 1975، دون أن توضح الاحصائيات نسبتهم لإجمالي السكان، ويعاني الشعب الصحراوي اليوم من قساوة التهجير، وآلام النزوح ومرارة التشريد، طيلة أكثر من نصف قرن.
والسؤال المطروح لماذا غيرت الحكومة الفرنسية موقفها، ودعمت سياسة الأمر الواقع الاستعمارية التي فرضتها المملكة؟، والتي تخالف القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وقرار محكمة العدل الدولية، ومحكمة العدل الأوروبية، وموقف الاتحاد الأوروبي، والمفوضية الأوروبية (تقرير 2023)، وتتعارض مع أسس اتفاق الشراكة مع الجزائر، ومع المملكة، والاتفاقيات الجمركية التفضيلية مع الصحراء الغربية، ولم تراع مبادي حقوق الانسان في الصحراء الغربية، وتخلت عن التزاماتها الوظيفية الدولية، كعضو دائم في مجلس الامن، وكل ذلك يؤكد بأن مواقف الدول ليست ثابتة وترتبط بالمصالح وليس بالمبادئ.
اعتقد أن الأمر يعود إلى عدة عوامل نذكر منها:
1- تطور الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الفرنسي، وأهمها:
– تطور هرم المديونة العامة الذي بلغ 3200 مليار أورو متجاوزا الناتج المحلي الإجمالي، – عجز في الميزان التجاري بلغ 170 مليار دولار سنة 2023، – تكاليف خدمة المديونية تجاوزت 52 مليار دولار، -تدهور مؤشر نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تزيد عن 16.8 %، وبدون سياسة صناعية منذ أكثر من 30 سنة، تطور التهرب الضريبي والاجتماعي الذي قدر بحوالي 600 مليار أورو، وتراجع ترتيب الاقتصاد الفرنسي في مؤشر التنافسية الضريبية الي المرتبة 38 عالميا بالمقارنة مع الدول الأوروبية والدول المتقدمة، وتضخم تكاليف الحماية الاجتماعية التي بلغت 900 مليار أورو، وتفاقم البطالة الهيكلية في ظل التضخم الركودي …
2-إن هذا الوضع الاقتصادي والوضع السياسي المتأزم، قد غير الموقف الفرنسي، من أجل الحصول على مكاسب ظرفية، وفرص استثمارية استباقية في الأراضي الصحراوية المحتلة.
3-فقدان الاقتصاد الفرنسي لثلاثة مصادر مهمة للذهب، والأورانيوم، والمعادن النادرة، بدول الساحل في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والسعي لتعويض تلك الخسائر من خلال دعم مستعمرته السابقة، لتوسيع فرصه الاستثمارية في مشاريع البنية التحتية للطاقات المتجددة، وفي مجال الاحتياطيات الغازية في السواحل الصحراوية، وزيادة الاكتشافات لضمان الإنتاج الاقتصادي للمعادن النادرة….
4-زيادة الضغط على البلدان المغاربية، وتعطيل الجهود التكاملية، ووضع آليات نوعية للاحتواء المتعدد الأشكال للصراع البيني، وزيادة عوامل عدم الاستقرار….. والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات الجزئية.
5-رغم أن هذا التوجه الفرنسي لا يخدم العلاقات التشاركية الأوروبية المتوازنة مع الاقتصاديات المغاربية، ويخلق سابقة خطيرة بتدخل من لا يملك في تمكين المحتل من الهيمنة على ثروات وموارد شعب يقاوم من أجل استرجاع سيادته واستعادة حريته، وهذا سينمي السلوك العدواني التوسعي الخطير ليشمل دول أخرى، ومن شأنه أن يخلق أزمات وصراعات غير مسبوقة.
إن دبلوماسية العروض الاقتصادية مقابل تزكية الاحتلال في الصحراء الغربية غيرت المواقف السياسية لبعض الدول، وقد آن الأوان لإعطاء الأولوية للتوازن في مصالحنا الاقتصادية مع جميع الدول.
وانطلاقا من ذلك فلا بديل عن التعاون، والحوار، ودعم جهود الأمم المتحدة في إطار الشرعية الدولية، لإيجاد حل سياسي عادل، ومستدام، لتحرير آخر مستعمرة في إفريقيا، وهذا سيمهد الطريق لترقية الجهود التكاملية على المستوي المغاربي، والتشاركية على المستوى الأوروبي والدولي.