فنلندا تنضم إلى الناتو وفرنسا تعلن التمرّد على واشنطن
بينما كانت واشنطن لا تزال تحتفي بانضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، تلقت ما يشبه الصدمة من عضو أساسي في الحلف، إذ أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون بعد زيارته الصين تمرّد فرنسا على إنصياع الدول الأوروبية المعتاد لأوامر واشنطن.
ويبدو أن موقفه لن يكون منفرداً في ظل اجواء التململ و الحنق التي تسود المسرح الأوروبي من سطوة واشنطن ومواقفها التي تنعكس سلباً على الإقتصاد الأوروبي .
جوهر تصريح ماكرون، وخصوصاً أنه لا يجب على أوروبا أن تتبع الموقف الأميركي في ملف تايوان، هو استعادة الدور الفرنسي السابق إبّان حقبة الرئيس الأسبق شارل ديغول، من أجل انتهاج سياسة “مستقلة” عن مصالح واشنطن، ومن دون الخروج رسمياً من حلف شمال الأطلسي. وقد أتبعه لاحقاً بدعوة أووبا إلى “تقليل” اعتمادها على الدولار الأميركي.
تعتقد أوساط النخب السياسية الأميركية أنّ واشنطن كانت مستاءة من تداعيات موقف فرنسا، خصوصاً في أعقاب خسارتها صفقة غواصات نووية تعمل بالطاقة النووية أبرمت مع أستراليا لمصلحة الولايات المتحدة، ولم تشأ الدخول في مواجهة مباشرة مع الرئيس الفرنسي، وآثرت “فرض” رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسيلا فون دير لاين، المقربة من واشنطن، على جدول زيارته للصين، لعلها تكبح اندفاعته، سواء ببعدها الذاتي باسم فرنسا أو بالنيابة عن دول أوروبا الأخرى.
وتشير تلك الأوساط أيضاً إلى تصرّف الصين الفوري بشأن فون دير لاين وعدم معاملتها وفق موقعها الرسمي، بل كأي زائر عادي، وهو ما علّقت عليه يومية “بوليتيكو” بأن مراسم استقبالها “اتسمت بالبرود الشديد، فيما أستُقبل الرئيس الفرنسي بحفاوة”.
في تفاصيل مراسيم الاستقبال، استقبلت وزيرة البيئة في الصين فون دير لاين، الأمر الذي لا يتناسب مع موقعها الرسمي، وذلك”نظراً إلى خطابها المعادي للصين”.
يُشار إلى أنّ رئيسة المفوضية الأوروبية قالت في كلمة ألقتها في بروكسل قبيل موعد الزيارة إن “أي خطّة سلام من شأنها تثبيت عمليات الضم الروسية هي ببساطة ليست خطة قابلة للتطبيق”، وأضافت أنّ “الأسلوب الذي ستواصل الصين التعامل به مع حرب بوتين سيكون عاملاً حاسماً في مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين”.
وزعمت أورسيلا فون دير لاين، في تصريحات لاحقة للصحافيين، أنها “حثت الرئيس شي على التواصل مع الرئيس (الأوكراني) زيلينسكي. وقد أعرب عن استعداده للتحدث إليه عندما تكون الظروف والأزمان مؤاتية” (شبكة “سي أن بي سي” الكندية، 6 نيسان/أيار 2023).
في المقابل، تجب الإشارة إلى توجهات الرئيس الفرنسي وتصريحاته قبل الزيارة، وترديده أن العصر الحالي يستدعي “إعادة إنتاج نظام دولي عماده السلام والاستقرار”، الأمر الذي فسّرته مراكز القوى في واشنطن بأنه يتساوق مع السياسة الصينية التي اعتبرت أن “المتغيرات الدولية الحالية لم تحدث منذ 100 عام”.
واعتبرت يومية “نيويورك تايمز”، نيابة عن النخب السياسية والإعلامية، أن زيارة ماكرون للصين “حميمة”، لكونها عُقدت في المقر الرسمي لوالد الرئيس الصيني، وأن “تفاوض الرئيسين دلّ على صداقة حميمة استثنائية” (“نيويورك تايمز”، 8 نيسان/أبريل 2023).
و وجّهت شبكة “فوكس نيوز” سهام انتقاداتها إلى ” ماكرون لرفضه السير وفق الإيقاع الأميركي” بشأن تايوان، وطموحه إلى رفع مكانة بلاده على حساب أميركا عقب تصريحه لفريق من الصحافيين بأنه يتطلع إلى رؤية فرنسا “قطباً ثالثاً” على المستوى الدولي، بموازاة قطبي الولايات اللمتحدة والصين (شبكة “فوكس نيوز”، 10 نيسان/إبريل 2023).
أحد أبرز أبواق اليمين الأميركي المتشدد والمحافظين الجدد على السواء، إيبوك تايمز، حذرت حلفاءها الأوروبيين من الابتعاد عن السياسة الأميركية التي لن تسمح بنشوء “طريق ثالث لأوروبا”، في إشارة إلى نزعات فرنسا “المثالية” للسير بمسافة بعيدة عن الولايات المتحدة (صحيفة “ذي إيبوك تايمز”، The Epoch Times 7 نيسان/إبريل 2023).
ما يرجح فرضية إقحام واشنطن لفون دير لاين في زيارة بكين كقطب مستقل عن ماكرون هو الإشادة الأميركية بتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية بزعم “تحذيرها بكين مباشرة من توفير الدعم لروسيا في الحرب الأوكرانية”، واستبعادها أيضاً انفصام أوروبا عن الصين تجارياً.
لعلّ كلمة السّر في تقييم النخب الأميركية، كما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”، لمضمون البيان المشترك لرئيسي البلدين، هي طموحهما إلى نسج “شراكة استراتيجية عالمية” وترحيبهما بـ “عالم متعدد الأقطاب”، في ظل “جمود العلاقات الأميركية الصينية”.