الدول الإفريقية تتحدى النفوذ الفرنسي: الرفض يتسع والصوت يعلو
تشهد القارة الإفريقية تصاعدا في موجة الرفض الشعبي لفرنسا، خاصة في الدول الناطقة بالفرنسية، حيث أصبحت العلاقات مع القوة الاستعمارية السابقة محل انتقاد واسع النطاق.
دراسة حديثة أجريت في خمسة بلدان من غرب إفريقيا – النيجر، الكاميرون، بنين، تشاد، وكوت ديفوار – كشفت النقاب عن أسباب هذا التوجه المتزايد، مسلطة الضوء على التداعيات السياسية والاقتصادية التي تدفع نحو هذا الاستياء المتصاعد.
الدراسة أوضحت أن الرفض الشعبي ليس مجرد رد فعل على دعاية مضادة، بل هو نتيجة مباشرة لتجارب معيشية واقعية وأحداث تاريخية متواصلة.
ومن أبرز العوامل التي أوردها المشاركون في الدراسة، يأتي الاستغلال الاقتصادي في الصدارة، حيث ترى شريحة واسعة من المستجوبين أن فرنسا ما زالت تمارس نفوذها الاقتصادي من خلال عقود غير متكافئة وشركات متعددة الجنسيات، ما يحرم الدول الإفريقية من الاستفادة الكاملة من ثرواتها الطبيعية.
إلى جانب ذلك، اعتبر المشاركون أن التدخل العسكري الفرنسي في الأزمات الإقليمية لم يسهم في تحقيق الاستقرار، بل أدى إلى تعقيد المشهد الأمني في العديد من المناطق، خاصة في منطقة الساحل.
كما أشاروا إلى ازدواجية المعايير التي تنتهجها فرنسا، حيث تدعم أنظمة معينة رغم سجلها السلبي في مجال حقوق الإنسان.
الدراسة التي استندت إلى مقابلات مع مئات الناشطين وأعضاء المجتمع المدني، أظهرت أن مشاعر الرفض تجاوزت الفئات الشعبية لتشمل النخب السياسية والثقافية، التي ترى في فرنسا شريكا غير جدير بالثقة بسبب ما تعتبره سياسات هيمنة واستغلال مستمرة.
في ظل هذه المعطيات، أعرب المشاركون عن رغبتهم في تنويع شراكات بلدانهم مع قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا، التي باتت تحظى بقبول متزايد كبدائل أكثر إنصافًا.
كما أكدوا على ضرورة تبني نهج جديد يقوم على مبدأ الشراكة المتكافئة بعيدا عن إرث الاستعمار.
هذه الدراسة تشكل دعوة صريحة لصناع القرار الفرنسيين لإعادة تقييم سياساتهم في القارة الإفريقية، حيث يأمل العديد من الأفارقة أن تؤدي هذه النتائج إلى تغيير جذري في طريقة تعامل باريس مع دول القارة، بما يحقق شراكة حقيقية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
إن ما تشهده إفريقيا اليوم ليس مجرد موجة رفض عابرة، بل هو انعكاس لتاريخ طويل من العلاقات غير المتوازنة. ومع تصاعد الوعي الشعبي والسعي نحو التحرر من الهيمنة الخارجية، تبدو القارة الإفريقية أكثر إصرارًا على صياغة علاقات دولية جديدة تضمن سيادتها وتعزز مصالح شعوبها.