الربيع الأمازيغي في مفترق الطرق
باعتراف أعضاء الحركة الثقافية البربرية أنفسهم، فإن المطالب التي رفعوها بداية ثمانينات القرن الماضي، بدعم من سكان المنطقة، قد عرفت تراجعا حتى وإن كان البعض من هذه المطالب قد تحقق وأخرى تنتظر التجسيد الفعلي، كما سجلوا أيضا تراجعا في القيم التي مكنت الحركة من النجاح، من بينها روح التضامن والنضال، خلال العشرين سنة الأخيرة، الأمر الذي فسح المجال لبروز فئة الانتهازيين الذين اكتسحوا الساحة السياسية لخدمة مصالح جهة معينة على حساب عامة الناس، كما يعتقد هؤلاء.
مرت 36 سنة على خروج سكان منطقة القبائل إلى الشارع، لكسر هاجس الخوف المفروض من قبل السلطة الحاكمة آنذاك للمطالبة بحرية التعبير لكافة الشعب الجزائري وبالاعتراف بالهوية الأمازيغية ثقافة ولغة، وبضرورة احترام حقوق الإنسان. وكما اعتاد سكان المنطقة، سيتم هذه السنة أيضا، الاحتفال بذكرى أحداث الربيع الأمازيغي التي عاشتها جامعة “مولود معمري” بتيزي وزو، عقب اقتحام عناصر فرق مكافحة الشغب الحرم الجامعي بحسناوة للاعتداء على الطلبة الجامعيين المحتجين على منع والي تيزي وزو الأديب مولود معمري بمن لقاء محاضرة حول الثقافة الأمازيغية، واقتياد 24 من نشطاء الحركة الثقافية البربرية إلى الحبس، ما دفع بالمواطنين لكسر جدار الخوف من التظاهر بالشارع، حيث خرجوا بعدها في مسيرة حاشدة بشوارع عاصمة الولاية للتنديد بالقمع وللمطالبة بحريات التعبير والاعتراف بالثقافة الأمازيغية، مهللين “اليوم أو غدا ستشرق شمسنا”.
الذكرى الـ36 لربيع الأمازيغي، حلت على سكان منطقة القبائل في ظروف خاصة تمر بها البلاد التي شهدت تراجعا رهيبا في مجال النضال من أجل تحقيق المطالب التي رفعها جيل بأكمله بداية الثمانينات، والذي أخذ على عاتقه النضال من أجل إحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أن ما تحقق يبقى بعيدا عن طموحات الشعب حسب ما أكده نشطاء الحركة الثقافية البربرية، خلال تنشيطهم مؤخرا لمحاضرة حول الموضوع بدار الثقافة “مولود معمري” بتيزي وزو، تأسفوا خلالها لما آل إليه النضال والخطاب السياسي بالمنطقة، التي كانت رائدة في المجال حسبهم، معتبرين أحداث أفريل 1980 بمثابة شهادة ميلاد التعددية السياسية بالجزائر.
الاعتقاد السائد لدى بعض مواطني ولاية تيزي وزو، هو أن السلطة قد نجحت إلى درجة ما في تدجين المنطقة والتقليل من فعالية النشاط السياسي بها لتفادي تأثير ذلك على بقية ولايات الوطن، وذلك من خلال كبح المبادرات الجادة والهادفة، وتشجيع بروز ما يسمونهم بالمنطقة “زبائن النظام” وفتح أمامهم آفاق وفرص للبروز على الساحة السياسية والاجتماعية.
احتفالات هذه السنة قد لا تختلف عن الأعوام الماضية من خلال تسطير مديرية الثقافة لولاية تيزي وزو برنامجا ثريا ومتنوعا، احتفاء بالحدث، فيما قررت قيادة حزب الأرسيدي عدم تفويت الفرصة هذه لتنظيم مسيرة شعبية بشوارع عاصمة الولاية، للمطالبة باعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية فعلا، وليس قولا فقط، لاسيما أن قيادة هذا الحزب اعتبرت ما جاء في الدستور الجديد “ناقصا” فيما يخص بالمطلب الأمازيغي.
كما سيغتنم أنصار حركة “الماك” الانفصالية، الفرصة هذه لاستعراض مدى قوتها في تجنيد سكان المنطقة لاتباعها في نهجها المقلق للسلطات العليا بالبلاد التي أمرت والي تيزي وزو بالوقوف في وجهها لتفادي انتشار أفكارها وسط المواطنين، الأمر الذي قد يدفع السلطات إلى حرمان أنصارها اليوم من تنظيم مسيرتهم بتيزي وزو، وهذا من شأنه أن يعكر جو الاحتفالات هذه، التي يأمل سكان المنطقة أن تمر بسلام تفاديا لأحداث هم في غنى عنها. وتجدر الإشارة إلى أن يوم 20 أفريل بولاية تيزي وزو يوم راحة بقطاع التربية وعلى مستوى بلديات الولاية وبعض المرافق العمومية.