أعضاء “أوبك” أمام مسؤولية تاريخية بالجزائر
تنطلق، اليوم، في الجزائر، أشغال الاجتماع غير الرسمي لمنظمة الدول المصدّرة للنفط “أوبك” في ظروف استثنائية لم تعشها البلدان المنتجة للبترول منذ عقود، ستغلّف لقاء الجزائر بأهمية كبرى معادلاتها تتمثل في الوضعية المتأزمة والحرجة للدول الأعضاء، وتظافر عوامل أخرى كبروز منتجين جدد ورفع العقوبات الاقتصادية على إيران، وهي التوليفة التي لم تعرفها البلدان المنتجة للطاقة في أوبك خلال الأزمات السابقة.
يومان فقط سيحدد على إثرهما مصير عشرات الدول تقوم اقتصاداتها على صادرات النفط، يأتي في مقدمتها صغار المنتجين في منظمة “أوبك”، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر، فنزويلا أو نيجيريا، وبدرجة أقل المنتجين الكبار، على غرار المملكة العربية السعودية أو روسيا، فضلا عن الشركات البترولية التي لم تعد قادرة على الاستمرار في النشاط، وهي مهددة في حالة بقاء سعر البرميل متدنيا تحت عتبة 50 دولارا. ومن هذا المنطلق، فإنّ لقاء الجزائر يكتسي أهمية كبرى كونها المنعرج الأخير للدول المنتجة والمصدّرة للنفط لتغيير الوضع القائم وإضفاء التوازن في السوق بين الطلب المنكمش وتخمة العرض ومن ثمة دفع الأسعار نحو الاستقرار.
وعلى الرغم من كل هذه الظروف، إلا أنّه يبدو من تصريحات المسؤولين، من وزراء الطاقة والاقتصاد في الدول الأعضاء لمنظمة “أوبك” أنهم سيكونون راضين بسقف 55 إلى 60 دولارا كسعر لبرميل النفط، الأمر الذي يؤكد أنهم يستبعدون ارتفاع الأسعار إلى مستويات أعلى، على غرار تلك التي عرفتها بورصة المحروقات قبل جوان 2014 واستمرت على مدار سنوات عرفت بـ”البحبوحة”، بينما لا يعتبر المستوى المستهدف من قبل الأعضاء المشاركين (55 إلى 60 دولارا للبرميل) سوى مجرد متوسط مقبول نسبيا للتخفيف من وطأة العجز المسجل في اقتصادات الدول المعنية، المطالبة بتغطية النفقات في ظل شح الموارد المتأتية من الصادرات الطاقوية.
ومن الناحية المقابلة، فإنّ معادلة لقاء الجزائر لأعضاء منظمة الدولة المصدّرة للنفط تصنعها عوامل أخرى، إحداها استمرار أزمة تهاوي أسعار النفط في السوق الدولية وعدم بروز أي ملامح لتعافيها أو الخروج من النفق الذي يغلّف سوق النفط ما يربو عن السنتين، استنفذت خلال هذه الفترة معظم الدول احتياطاتها، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر التي أصيب احتياطها للصرف وصندوق مواردها بـ”نزيف حاد” لتغطية الإنفاق العمومي. وبالمقابل، فإنّ هذا اللقاء سيجمع دول طالما حملت رؤى متضاربة على طاولة واحدة، لاعتبارات المصالح الاقتصادية الموحدة، ولسان حالها يقول ما تفرّقه السياسة والإيديولوجية تجمعه المصالح الاقتصادية. وعلى هذا الأساس، فإنّ طاولة المفاوضات والنقاش ستضم روسيا وقطر وستجمع المملكة العربية السعودية بإيران على صعيد واحد، بينما ستلعب الجزائر دور الوسيط الحائز على إجماع الجميع، باعتبارها صاحبة المواقف الدبلوماسية المرنة، تحقيقا لمساعي التوصل إلى قرار قد يحول اللقاء “غير الرسمي” إلى اجتماع رسمي غير عادي، هدفه إنقاذ سوق النفط والدول المنتجة للبترول.