استنكار شديد لإيداع مدير “كا بي سي” الحبس الاحتياطي
اتسمت ردود فعل الحقوقيين والقانونيين بالاستغراب الشديد من قرار قاضي التحقيق بمحكمة سيدي امحمد إيداع مدير “كاي بي سي” الحبس المؤقت، برفقة مدير الإنتاج رياض حرتوف والمديرة المركزية بوزارة الثقافة مونيا نجاعي.
وأوضحوا أن هذا القرار مبالغ فيه بما يثبت أن خلفيته سياسية، فضلا عن كونه يتناقض تماما مع الدستور الجديد وقانون الإجراءات الجزائية، الذي جعل من الحبس المؤقت إجراء استثنائيا فقط للأشخاص الذين لا يقدمون ضمانات، وهو ما لا ينطبق.
“إيداع مدير “كاي بي سي” الحبس المؤقت ليس مبررا على الإطلاق”. بهذه العبارة وصف فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان قرار قاضي التحقيق. والسبب، حسبه، أن الإطارات التي جرى إيداعها الحبس، أثبتت للعدالة أنها محل ثقة، فقد استدعيت من قبل واستجابت دون أي إشكال، وبالتالي يصبح حبسها هذه المرة مبالغا فيه، وكان يفترض في أقصى الحالات أن يتم وضعهم تحت الرقابة القضائية.
وأضاف قسنطيني الذي تتبع هيئته رئاسة الجمهورية، أن ما يجري حاليا في قضية “الخبر” يثير الاستغراب، كون القضية ليس فيها تلك الخطورة التي تستدعي كل هذه الإجراءات، كما أن التعامل مع أصحابها بالحبس المؤقت يناقض تماما ما ورد في الدستور الجديد حول قرينة البراءة وكرامة المشكوك فيهم والمتهمين والمتقاضين بشكل عام، وكذلك ما ورد في قانون الإجراءات الجزائية عن تقليص اللجوء إلى الحبس المؤقت إلى أقصى درجة ممكنة.
وأشار قسنطيني إلى أن محاربة اللجوء المفرط إلى الحبس المؤقت، كان دائما قضية ناضل من أجلها الحقوقيون في الجزائر، ومع أنهم ربحوا المعركة على مستوى النصوص إلا أن الواقع لا يزال بعيدا، لافتا إلى أن “الحبس المؤقت يفضل أن يبقى فقط في قضايا الجنايات، تطبيقا لفلسفة الدستور الجديد”.
تشريعات لذر الرماد في العيون
من جانبه، أكد مصطفى بوشاشي المحامي والحقوقي، أن قضية إيداع مدير “كاي بي سي” الحبس أثبت أن التشريعات التي تصدر في الواقع هي فقط لذر الرماد في العيون، وبأن واقع الحريات في الجزائر وتطبيق القانون بعيد تماما عن النصوص، مشيرا إلى أنه في هذا النوع من القضايا تتحكم الخلفية السياسية في الإجراءات أكثر من القانون.
وأضاف أن قضية “الخبر” تحديدا أثبتت حرص السلطات العمومية على عدم إعلاء سيادة القانون، بدءا باستعمال القضاء الإداري ثم توقيف حصص وبرامج وأخيرا المتابعات القضائية في حق مسؤولي قناة “كاي بي سي”، ومعاملتهم بشكل يتنافى مع مبدأ مساواة المواطنين أمام العدالة، مثلما تشدد على ذلك النصوص المؤسسة.
وتابع بوشاشي قائلا: “بعد أن استبشرنا خيرا عندما عدل قانون الإجراءات الجزائري في جويلية 2015 والذي ألزم القضاة بعدم الاتجاه إلى الحبس المؤقت إلا في حالات استثنائية تنم عن خطورة الأفعال وعدم تقديم الشخص للضمانات، يأتي حبس إطارات قناة “كا بي سي” بما يخالف تماما ما ورد في هذا القانون”.
ويوافقه في ذلك، نور الدين بن يسعد رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان الذي أكد أن طبيعة التهم الموجهة إلى مدير “كاي بي سي” ليست بالخطورة التي تقتضي تماما التحفظ عليه عن طريق الحبس”، لافتا إلى أن “مهدي بن عيسى تمت معاملته على أنه مجرم، ومعاملته كالمجرمين”.
“لا شي تغير مع الدستور الجديد”
بدوره، أكد المحامي والحقوقي بوجمعة غشير، أن حبس مهدي بن عيسى مدير “كاي بي سي” يمكن تصنيفه في خانة اللامعقول، كون الرجل يتمتع بكل الضمانات التي تجنبه هذا المصير، فهو مسؤول وشخصية عامة ويمتلك مقرا وعنوانا وإقامة، وتستطيع السلطات القضائية في أي وقت شاءت استدعاءه”.
واستذكر المحامي غشير تصريحات وزير العدل الطيب لوح وحديثه المتكرر عن إصلاح العدالة، خاصة فيما يتعلق بالحبس المؤقت، قائلا إن “ما يجري مع مدير “كاي بي سي” يثبت بالدليل أن شيئا لم يتغير، ويحطم تماما ما قاله هذا الوزير من أن إصلاحاته ستوسع من الحقوق والحريات وستتجنب إلى أقصى حد الحبس المؤقت”.
واعتبر غشير أن مطالبة الحقوقيين منذ زمن بالحد من اللجوء إلى الحبس المؤقت، يعود لكون هذا الإجراء له تداعيات مدمرة على نفسية الإنسان وعائلته وعمله، لذلك لا ينبغي حبس إلا الأشخاص الخطيرين على المجتمع أو الذين ليست لديهم ضمانات للمثول أمام العدالة”، مشيرا إلى أن “استعمال هذا النوع من الإجراءات في قضية رأي عام مثل “الخبر” الغرض منه التخويف والترهيب”.
“أين إلغاء حبس الصحفي؟”
ويلمح غشير إلى نقطة أخرى تتعلق بما جاء في الدستور الجديد حول إلغاء عقوبة حبس الصحفيين، ما يجعل قرار قاضي التحقيق من منظوره غير دستوري، لأن مدير قناة “كاي بي سي” تدخل وظيفته في دائرة العمل الإعلامي. وأضاف في هذه النقطة: “هم سيتحججون بأن التهمة الموجهة لا تدخل في قضايا النشر، لكن من الواضح أن محتوى البرنامجين اللذين تم إلغاؤهما هو سبب ما يجري، وعلى الأساس يكون حبس مدير الإنتاج ومدير القناة مخالفا للدستور”.