توجيهات نحو ديناميكية جديدة أكثر فعالية وبراغماتية في تطبيق السياسات العامة
ينعقد اجتماع الحكومة بالولاة، غدا السبت، في سياق خاص يميزه تنفيذ التزامات رئيس الجمهورية التي يتواصل تجسيدها من خلال مخطط عمل الحكومة المصادق عليه مؤخرا من قبل البرلمان و الرامي إلى تجديد الحوكمة، تحقيق الانتعاش الاقتصادي وتعزيز الانصاف الاجتماعي.
ويأتي هذا الاجتماع الدوري في خضم تتمة الإصلاحات المؤسساتية، عقب إصدار الدستور الجديد والقانون الجديد المنظم للانتخابات ثم التنصيب الفعلي للولايات الجنوبية العشرة، و بعدها تنصيب المجلس الشعبي الوطني، في انتظار تنظيم الانتخابات المحلية لتجديد المجالس المحلية المقرر إجراؤها في 27 نوفمبر 2021 و اختتاما بالتجديد الجزئي لمجلس الأمة خلال شهر ديسمبر من العام الجاري.
وفي ذات المسعى، كانت استراتيجية عمل حكومة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، المترجمة في مخطط يشمل كافة القطاعات، قد حازت على مصادقة المجلس الشعبي الوطني و تأييد مجلس الأمة، وهو المخطط القائم على سلسلة من التدابير التي ترمي إلى “توطيد سيادة القانون وتجديد الحوكمة والانتعاش الاقتصادي والتنمية البشرية، في إطار سياسة اجتماعية معززة تهدف إلى ضمان إعادة التوازن الإقليمي ، والإنصاف الاجتماعي”، إلى غير ذلك من الأهداف.
وعلى ضوء كل هذه التحديات، تهدف الطبعة الجديدة من اجتماع الحكومة/الولاة إلى تحفيز ديناميكية جديدة، بتبني أجندة سياسية إيجابية، شاملة ومستدامة، يكون شعارها المضي قدما لتقييم السياسات العامة التي تم الانطلاق فيها مع استخلاص التجارب من النتائج المحققة على مدار عام ونصف.
ويقود السياق الراهن المتسم بأزمة متعددة الأبعاد الجهاز التنفيذي إلى وضع منظور جديد يستند إلى تحليل دقيق و براغماتي للوضع، من شأنه رفع القيود الإدارية على المستويين المركزي والمحلي للخروج بمقترحات ملموسة وتدابير عاجلة لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وإنعاش الاقتصاد.
كسر القيود المعرقلة لجهود الدولة في الدفع بعجلة التنمية، أهم التحديات التي يواجهها الولاة
على الرغم من الجهود التي ما فتئت تبذلها الدولة في عملية التنمية الوطنية والمحلية، لا يزال الواقع يكشف عن العديد من القيود التي تعرقل مبادرات السلطات العمومية في هذا الاتجاه.
وقد جاءت أحداث استثنائية كجائحة كوفيد-19 وأزمة المياه و حرائق الغابات… لتؤثر بشكل كبير على الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، بل أكثر من ذلك، كشفت أيضا عن مشاكل وتعقيدات في تسيير ومراقبة هذه الأزمات.
كما طفت على السطح مشاكل من نوع آخر، أهمها “عدم التحكم في إدارة وتنفيذ الإجراءات التنموية واستمرار الفوارق الاجتماعية والاقتصادية”، “عدم اكتمال اللامركزية مع الاستمرار في عدم تمكين السلطات المحلية من مساحة كافية للتحرك”، “بقاء جودة الخدمات العامة دون مستوى توقعات المواطنين” و “استمرار الممارسات البيروقراطية على مستوى الإدارة”.
ومن بين التعقيدات الأخرى التي تمت ملاحظتها عقب تشخيص الوضع، “التبذير والتكاليف الباهظة لإدارة الخدمات العمومية المحلية”، يضاف لها “ضعف التأطير على مستوى السلطات المحلية”.
كما أنه لا يمكن غض النظر عن “تواصل أزمة التمويل المحلي كمصدر توتر في هذه الظروف الصعبة التي تتسم بالتشديد على المالية العامة للبلاد”، ما يفسر اللجوء المتكرر إلى صندوق الضمان والتضامن، المطلوب على نطاق واسع لمنح الإعانات المالية الاستثنائية التي تهدف على وجه الخصوص إلى تمويل العجز في ميزانية التسيير على حساب نشاطات التنمية المحلية.
وفي ذات الإطار، تبرز إشكاليات أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها، سيكون على ولاة الجمهورية العمل على إيجاد حلول واقعية لها، على غرار “غياب ثقافة الديمقراطية التشاركية وضعف استراتيجية التواصل والتعبئة الاجتماعية حول تحديات التنمية الإقليمية” و”الافتقار إلى تنسيق وتوضيح وترشيد أدوات تخطيط التنمية الإقليمية” فضلا عن “تفاقم ضعف الحوكمة المحلية، مما أدى إلى نقص التنسيق والتدخلات غير الفعالة”.
ولمعالجة كل ما سبق، سطرت الحكومة الحالية أهدافا “استراتيجية” و”عملية” للاستجابة بفعالية وإنصاف لاحتياجات المواطنين وإرساء أسس التنمية المحلية المستدامة مع “ضمان التسيير الفعال و المتفاعل من خلال اليقظة والاستشراف”.
وتتمثل هذه الأهداف في “الحد من الفوارق الإقليمية، اعتمادا على نهج شامل ومتكامل يهدف إلى التدخل السريع والفعال والمرن في المناطق الأكثر هشاشة وصياغة مشاريع متكاملة متعددة الابعاد، بالتشاور مع المعنيين” و “إعادة إطلاق عملية التنمية المحلية، عبر اقتراح حلول لمختلف الاختلالات وجعلها الرافعة الرئيسية للتنمية القائمة على تكريس اللامركزية والتداخل بين القطاعات والديمقراطية التشاركية والحكم الرشيد”.
كما جعلت من عملية صياغة برنامج إنمائي “منظم ومنفتح” و إنشاء آليات ابتكارية جديدة لتمويل التنمية، أحد أهم أجزاء محرك التنمية.
وتشدد الحكومة على ضرورة الارتكاز على تحديث الإدارة وتطوير الخدمة العمومية “على أسس علمية، تمكن من ضمان فعالية وكفاءة أنشطة الإدارة العامة ومواكبة التطورات في مختلف المجالات”، مع اعتماد عنصر الشفافية وإشراك المجتمع المدني في الشؤون العامة.
كما توجه جهودها أيضا نحو “تعزيز القدرة التنافسية الإقليمية على أساس زيادة تنمية الموارد والإمكانيات المحلية” و كذا “تحسين جودة الخدمات العمومية و أدائها عبر تطوير الحلول الذكية” مع انتهاج أساليب جديدة “أكثر فعالية و تفاعل، لإدارة الأزمات ووضع استراتيجيات للرصد والاستشراف”.