جزائريون يتنقلون إلى تونس لاقتناء فيتامين “د”
في وقت تركز وسائل الإعلام المحلية في الجزائر، باختلاف أنواعها، على مشكلة الأطباء المقيمين، و”صراع الديكة” القائم بين نقابة القطاع والوزارة الوصية، تعاني شريحة كبيرة من الجزائريين “في صمت” من نقص فادح في كثير من الأدوية الضرورية على مستوى الصيدليات، وفيتامينات، غالبا ما ينصح بها الأطباء، المرضى، على رأسها فيتامين ” د” الذي أصبح الحصول عليه في صيدليات الجزائر ضربا من الخيال.
ظاهرة ” نقص”، ثم ” اختفاء” فيتامين “د” من الصيدليات في الجزائر، ليست وليدة الساعة، إنما تعود لأكثر من سنة، وهو ما يعني أن الأزمة لا ترتبط بندرة مؤقتة، إنما تعود لغياب استراتيجية وطنية تتعلق بسيّاسة الأدوية في الجزائر، وهو ما يلاحظه أي زائر للصيدليات التي تشهد ندرة ملحوظة في هذا الفيتامين الذي كثيرا ما ينصح به الأطباء مرضاهم من الرضع والمسنّين، كونه يعمل على حماية العظام من الهشاشة.
أمام هذه الندرة، يعمد كثير من الجزائريين الذين تسعفهم أحوالهم المادية، للسفر إلى تونس برّا وجوا، من أجل اقتناء هذا الفيتامين، مثلما تفيد شهادات من تحدثنا إليهم. يقول ” رشيد ص”، متحدثا بحسرة كبيرة ” .. من العيب أن نثير هذا الموضوع، بالنظر للفارق الشاسع بين إمكانات الجزائر، وإمكانات بلد متواضع مثل تونس، لكنها الحقيقة المرة.. أنا شخصيا، تنقلت منذ بداية السنة الجارية مرتين إلى تونس، لاقتناء فيتامين د، المتوفر هناك في جميع الصيدليات، وقد أصبح الأمر محرجا لي، لأنني في كل مرة، أطلب هذا الفيتامين من الصيدليات التونسية، ألاحظ علامات الاستغراب على وجه الصيدلي، وأفهم من ذلك انه لا يستسيغ ندرة هذا الفيتامين في بلد بحجم الجزائر” !
اقتربنا من صيدلي شاب، وسألناه عن الأسباب الكامنة وراء ندرة الفيتامين، فأرجع الأمر كله إلى مستوردي الأدوية الذين يتحكمون في توفيره كيفما يحلوا لهم، وبالكميات التي يريدونها ، بل إن بعضهم” يشترطون توفيرها باقتناء أدوية أخرى معها”، وهي طريقة مخالفة تماما للقانون في غياب رقابة المصالح المختصة… ” إنهم يريدون العودة إلى زمن أسواق الفلاح، عندما كان يفرض على الزبون شراء منجل مثلا في مقابل حصوله على كيس قهوة”، يعلق أحد الزبائن الذي كان في انتظار دوره !
وتطرح أزمة ندرة الأدوية في الجزائر، بشكل حاد، ولا يتوقف الأمر على فيتامين “د” فقط، إذ يحصي مختصون أكثر من 200 نوع من الأدوية، تشهد نقصا فادحا في الصيدليات، فيما هناك نحو 60 نوعا آخر من الأدوية نادرة الوجود، رغم أنها مصنوعة محليا .
وبحسب تصريحات “سابقة” لرئيس النقابة الوطنية للصيادلة مسعود بلعميري، فإن الندرة المسجلة في قطاع الأدوية، طالت أدوية تتعلق بأمراض مزمنة، وأخرى تعتبر مضادات حيوية ومضادات الإلتهاب، إضافة إلى انواع من المراهم، والخلاصة – يضيف المتحدث – أن هناك مابين ” 40 و60 نوع من الأدوية مفقودة نهائيا”.
وكانت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، قد عقدت لقاء مع متعاملين في مجال الدواء” منتجين، مستوردين، موزعين وصيادلة” في شهر ديسمبر المنصرم، أفضى إلى إنشاء خلية مراقبة ومتابعة ويقظة، تعمل على تشخيص المشاكل التي تطرأ على سوق الأدوية، وطرحها على الوزارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، غير أن ” دار لقمان باقية على حالها”، لأن ” الداء” لا يحتاج إلى خلية أزمة، بقدر ما يحتاج إلى استراتيجية واضحة ومحدّدة الأهداف – يقول أحد الصيادلة- متحدّثا للموقع ” .. الوزير، أو إطارات الوزارة، هم مواطنون بالدرجة الأولى، وبإمكانهم معاينة الخلل في تنقلاتهم اليومية، وهم لا يحتاجون إلى خلية أزمة تنقل لهم مشاكل القطاع في تقارير”.
وتشير إحصاءات مرتبطة بشهر جوان من السنة الجارية” بداية السنة”، إلى أن الناتج المحلي من الأدوية لا يغطي في أحسن الأحوال نسبة 61 بالمائة من احتياجات السوق، وهذه النسبة تقلصت كثيرا خلال الشهرين المتتاليين بسبب ندرة المواد الأولية بعد قرار حظر عديد المنتجات من الاستيراد في إطار سيّاسة التقشف التي أعلنت عنها الحكومة، ووفق هذه السيّاسة، ومن ذلك إصدار منشور وزاري في بداية العام 2017، يحدّد قائمة الأدوية المصنّعة في الجزائر، ومنع استيرادها وعددها 357 نوعا من الدواء، وهنا يبرز مشكل آخر يتعلق بنوع وفعالية الدواء المصنع في الجزائر.