بعد 67 عاماً من التضليل: فرنسا تعترف بإعدام بن مهيدي وتكشف عن تورط جنرالاتها في جرائم الاستعمار
في تطور غير متوقع، اعترفت فرنسا رسميًا بإعدام الشهيد العربي بن مهيدي بعد عقود من الترويج لرواية “انتحاره”.
جاء هذا الاعتراف، الذي صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمناسبة الذكرى السبعين لاندلاع الثورة الجزائرية، أثار تساؤلات حول توقيته وهدفه، إذ يرى مراقبون أنه محاولة لتهدئة التوترات المتصاعدة بين باريس والجزائر.
وعلى مدى 67 عامًا، كانت الرواية الرسمية الفرنسية تزعم أن بن مهيدي، أحد أبرز قادة ثورة التحرير الجزائرية، “انتحر” في السجن. لكن اعتراف الإليزيه أخيرًا أن “عسكريين فرنسيين، بأمر من الجنرال بول أوساريس، أعدموا بن مهيدي”، جاء ليعري هذا التضليل ويؤكد تورط السلطات الفرنسية في هذه الجريمة البشعة.
الاعتراف جاء في وقت حساس، حيث تزايدت الانتقادات الموجهة لفرنسا بسبب سياساتها في قضايا حقوقية تاريخية. ووصف خبراء في التاريخ والسياسة هذا الاعتراف بأنه “رسالة سياسية بلا قيمة حقيقية”، إذ لا يصاحبه أي إجراءات ملموسة للتعويض عن الجرائم الاستعمارية أو لتقديم اعتذارات رسمية، مما يعكس استمرار فرنسا في سياسة الاعتراف “بالتقسيط” للتهرب من مسؤولياتها التاريخية.
من جانبه، اعتبر الباحثون الجزائريون أن اعتراف فرنسا بإعدام بن مهيدي ما هو إلا تكتيك سياسي يهدف إلى تحسين صورتها أمام الرأي العام الجزائري، دون أن يقدم اعترافًا كاملاً بجرائمها في حق الشعب الجزائري.
فالاعتراف الجديد بماكرون لا ينفصل عن سلسلة من الاعترافات السابقة، مثل الاعتراف بمسؤولية فرنسا عن مقتل موريس أودين والمحامي علي بومنجل، في إطار محاولات لإعادة ترتيب العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
وأثار هذا الاعتراف جدلاً واسعاً في الأوساط الجزائرية، حيث لا يزال الشعب الجزائري يحتفظ بذاكرة حية للجرائم الاستعمارية، وخاصة قصة بن مهيدي، الذي قاوم التعذيب وظل شامخًا حتى لحظاته الأخيرة. يراه الجزائريون رمزًا للنضال ومصدر إلهام لأجيال متعاقبة، رافعًا ابتسامته في وجه جلاديه كدليل على قوة عزيمته.
وفي حين ترى فرنسا أن خطوة ماكرون تأتي لتسهيل “التصالح بين الذاكرتين الجزائرية والفرنسية”، يرى الجزائريون أن هذه الاعترافات تبقى ناقصة ما دامت تفتقر إلى اعتذارات حقيقية وتعويضات عادلة.