القرض الاستهلاكي مهدد بالفشل
لم تبلغ الحكومة تحقيق الهدف المنشود من وراء إعادة إطلاق القروض الموجهة للاستهلاك، بعد قرابة 7 سنوات من إلغائه بمقتضى قانون المالية التكميلي الصادر سنة 2009، والسبب في ذلك ارتفاع نسب الفوائد المفروضة من قبل البنوك، باعتبار أن السلطات العمومية لم تحدد ذلك، وإنما فتحت الباب أمام كل مصرف
لتقرير الرقم المناسب بالنظر إلى معطيات تتعلق بكل معاملة وحسب ملف المقترض وظروفه.
على الرغم من أن الحكم على القرض الاستهلاكي سابق لأوانه، بالنظر إلى أن هذه الخطوة لم يمر على إطلاقها سوى بضعة أسابيع، إلاّ أن استياء المواطنين من نسب الفوائد المقترحة من قبل البنوك، وعزوفهم على التوجه إلى استعمال هذه الوسيلة التي طالما انتظرها المواطنون محددو الدخل خاصة، يهدد القرض بالفشل، في وقت يفرض ضعف القدرة الشرائية للمواطنين مع بداية السنة الحالية المتزامنة مع تجسّد الأزمة، في شكل ارتفاع محسوس في أسعار المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك، إقرار نسب فوائد مقبولة لضمان نجاح الخطوة.
وفي هذا الشأن، اعتبر الخبير في الشؤون الاقتصادية، فارس مسدور، أن أبرز الأسباب التي تهدد القرض الاستهلاكي ترتبط بتخوف المواطنين من الوقوع في شبهة المعاملات الربوية، بصرف النظر عن حجم نسبة الفائدة كبيرة كانت أم صغيرة. وقال إنه نفس السبب الذي يجعل حوالي 50 في المائة من أموال الجزائريين تتداول في إطار القنوات غير الرسمية، ضمن معاملات شراء وبيع أو غيرها تتم يدا بيد دون أن تمر عبر البنوك، على الرغم من التحفيزات الجبائية المتخذة من قبل الحكومة لاسترجاع هذه الكتل النقدية.
وانتقد المتحدث في اتصاله مع “الخبر”، رفض البنك المركزي السماح للمؤسسات المالية والمصارف بفتح “نوافذ” تتعامل بطرق بديلة تأخذ بعين الاعتبار احترام الشريعة الإسلامية، بالرغم من أن تحرير المبادرة في هذا المجال مربح من الناحية الاقتصادية للدولة، والمؤسسات والمواطن صاحب الوديعة البنكية أو المقترض على السواء، بغض الطرف عن الدواعي العقائدية ذات العلاقة. وعلى هذا الأساس، فإن طرح البنوك لمنتجات “إسلامية” تستعمل هامشا للربح بدلا من نسب فوائد أو التعامل بالصكوك الإسلامية، من شأنه أن يشجّع المواطن على الاستعانة بالقروض الاستهلاكية لاقتناء المنتجات المعنية. وتساءل الخبير عن السبب الحقيقي من وراء رفض الجهات الوصية تسهيل تنويع العروض البنكية، التي تطالب بها حتى البنوك التجارية الأجنبية الناشطة في السوق الوطنية، اقتناعا منها بأنها تشكل خطوة بارزة لاسترجاع قيمة كبيرة من الأموال، والإسهام بشكل مهم في استحداث ديناميكية في المنظومة المصرفية، مشيرا إلى أن العديد من الدول العلمانية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية أو انجلترا توجهت إلى تبني هذا الخيار وفتح باب المبادرة، فضلا عن الدول العربية الجارة، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب الذي يستعمل طريقة التمويل التشاركي. ومن الناحية المقابلة، أكد مسدور على أهمية أن تكون المؤسسات المصرفية جميعها على قدم المساواة، من خلال تجاوز “الاحتكار” في طرح هذه الخدمة، من منطلق أن ذلك من شأنه أن يفتح باب المنافسة بين البنوك، ويؤدي إلى تنويع العروض ليكون في صالح طالبي القرض والنشاط المصرفي والاقتصادي بشكل عام.