صورة الجزائر في الخارج تزداد سوادا
بات الانهيار السريع لمداخيل الجزائر مدعاة للقلق ليس فقط لأهلها، ولكن أيضا للدول الواقعة في إقليمها، خاصة فرنسا التي تربطها بالجزائر مصالح إستراتيجية كبرى تخشى من ضياعها، وتتخوف أيضا من أن تؤدي الأزمة المالية في مستعمرتها السابقة إلى موجة هجرة جديدة تضاف إلى متاعبها الحالية.
بدأت نبرة الحديث عن الجزائر تتغير على الضفة الأخرى للمتوسط، بحيث تدحرج توصيف “القوة الإقليمية” وغيرها من العبارات المداهنة، لصالح معاينة أكثر صرامة لما أصبحت مداخيل الجزائر بالكاد تغطي نصف احتياجاتها من الاستيراد، بعد انهيار أسعار البترول غير المسبوق في السوق الدولية، وظهر من الأجانب من يتوقع للجزائر حتى “الإفلاس” !
وكعينة عن الصورة المتداولة حاليا للجزائر في الخارج، ذكر الخبير الاقتصادي الفرنسي، نيكولا بوزو، في مقال مطول له بمجلة لوبوان، أن الجزائر التي وصفها بـ”الجار الرائع”، مرشحة “للانهيار بسبب وضعها السياسي والاقتصادي”، وعلى فرنسا -كما قال- أن تتحسب لهذا الوضع وتراقب ما يجري فيها.
وأوضح بوزو الذي يرأس مركز الدراسات الاقتصادية “أستار”، أن الجزائر هي أول وجهة تصدير لفرنسا في العالم العربي، والشركات الفرنسية تبيعها كميات كبيرة من الحبوب والسيارات والأدوية، مشيرا إلى أن “مأساة الجزائر” كانت في اعتمادها فترة ما بعد الاستقلال على ا”شتراكية بومدين ثم الشعبوية”، وهي سياسات لم تسمح للاقتصاد الجزائر “بالتنوع”، لتجد البلاد نفسها اليوم “تابعة لقطاع المحروقات بنسبة 97 بالمائة من المداخيل، وبسبب انخفاض أسعار البترول، وصل العجز في الميزانية إلى 30 بالمائة في الميزانية سنة 2015، بينما تضرب البطالة 11 بالمائة من السكان النشطين”.
أما سياسيا، فقال بوزو إن الدولة الجزائرية “الهشة”، لا تزال إلى الآن تحت التهديد “الإسلامي”، وترتكز على ثلاثة أعمدة “متسلطة” وأحيانا “غير متجانسة”، هي رئاسة الجمهورية التي يشغلها رئيس “لا وجود له”، وجيش يقوده “كبار السن” يحيط به “جهاز استخبارات”، و “رأي عام لا مبال جزء أكبر منه يحلم بفرنسا”، على حد وصفه.
وبحسب طرح بوزو، فإن فرنسا في السنوات القادمة حتى تعزز نموها وتحافظ على صفة “الدولة الراعية”، عليها أن “تتحسب للتدفق الكبير للمهاجرين الجزائريين الذي لن توقفهم حسبه لا شنغن ولا غيرها”. وعلى هذا الأساس، قال بأنه على فرنسا أن تراجع سياساتها الخاصة بسوق العمل وتحرر المبادرة في مجال المقاولات وتحدد قيمها”، لأن الوضع الحالي يشير –وفقه-، إلى أن 26 بالمائة من المهاجرين الجزائريين الرجال يجدون عملا سنة وصولهم إلى فرنسا، بينما تنخفض النسبة إلى 7 بالمائة عند النساء. وتخفي هذه المقاربة لمآلات الأزمة في الجزائر، وراءها “توقعا” لمصير الجزائر يشبه سيناريوهات لدول الفاشلة في المنطقة التي أدت إلى هجرات لا تتوقف إلى أوربا.
وفي الصحف الأمريكية والبريطانية التي لا تهتم للجزائر إلا في حال استشعار خطورة الوضع، قالت فاينانشل تايمز قبل أسبوع إن الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد تهدد استقرارها، مستندة إلى رأي دانييلا قرساني، نائب رئيس صندوق النقد الدولي لمنطقة إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، التي قالت إن الجزائر معرضة لصدمة خارجية ستستمر لعدة سنوات”.
وأوردت واشطن بوست رأيا لأحد الخبراء حول مشروع الدستور، يعتبره غير مستجيب للمبادئ الديمقراطية الأساسية، إذ يسمح بتقوية الدولة على حساب المجتمع المدني. وعادت نيويورك تايمز إلى حالة الرئيس بوتفليقة متسائلة إن كان هو من يحكم البلاد، خاصة بعد مطالبة مجموعة الـ19 برؤيته للتأكد من صحة أبوته للقرارات المتخذة باسمه.
هذه النظرة “المخيفة” المتداولة عن وضع الجزائر، تضرب في الصميم ما يعرف بـ”تحسين صورة الجزائر في الخارج”، وهي إحدى أهم تعهدات الرئيس بوتفليقة خلال انتخابه أول مرة سنة 99، و”الانجازات” التي يباهي بها أنصاره بعد أن كانت على حد قول بلخادم مثل “البعير الأجرب”، إذ تبين مع الزمن أن هذه الصورة، ترتبط ارتباطا وثيقا بأسعار النفط، تتحسن بتحسنها وتنهار بانهيارها !